حسن وسوء الخاتمة

سوء الخاتمة وحسن الخاتمة

إنّ قضية الخاتمة من أعظم القضايا التي تشغل قلب المؤمن العاقل، وهي الحَكَم النهائي في حياة الإنسان، والمصير الذي سيُبنى عليه أبد الآباد، فإما إلى رضوان الله، أو إلى سخطه، وإما إلى الجنة وإما إلى النار. ومفهوم حسن الخاتمة وسوء الخاتمة من المفاهيم المحورية في العقيدة الإسلامية، لما له من أثر بالغ على سلوك المؤمن في دنياه، ومدى حرصه على أن يختم الله له بخير.

تدور هذه المفاهيم حول نهاية حياة الإنسان، والكيفية التي يختم بها عمره، فإن كان آخر ما ينطق به شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وكان على طاعة وخشية، خُتم له بالحسنى، وإن مات على معصية أو نفاق أو انحراف عن دين الله، خُتم له بالسوء والعياذ بالله.

المفهوم اللغوي والشرعي للخاتمة

الخاتمة لغةً تعني النهاية والختام، أما في الاصطلاح الشرعي فهي الحالة التي يكون عليها الإنسان عند موته، سواء كانت من الطاعة أو المعصية، من الإيمان أو الكفر، من التوبة أو الإصرار على الذنب. وهي الحكم الإلهي الذي يصدر في لحظة مفصلية لا رجعة بعدها، فينتقل الإنسان من دار العمل إلى دار الجزاء.

حسن الخاتمة: تعريفها ودلالاتها

حسن الخاتمة هي أن يُوفَّق العبد قبل موته إلى التوبة النصوح، ويُقبض على عمل صالح، ويُختم له بكلمة التوحيد. وهي منحة من الله، لا تُنال بالحيل، وإنما تُرجى وتُسعى لها بالعمل الصالح وحسن الظن بالله والمداومة على الطاعات.

وقد روى الإمام أحمد والترمذي وغيرهما عن رسول الله ﷺ أنه قال: “إذا أراد الله بعبد خيرًا استعمله، قيل: وكيف يستعمله؟ قال: يوفقه لعمل صالح قبل موته”. وفي صحيح البخاري: “إنما الأعمال بالخواتيم”.

يُفهم من هذا الحديث أن حسن الخاتمة لا تكون مصادفة، وإنما هي نتيجة توفيق رباني لمن عاش حياته محافظًا على أوامر الله، مبتعدًا عن نواهيه، وساعيًا في مرضاته.

علامات حسن الخاتمة

بيّن العلماء والمحدثون أن هناك جملة من العلامات الظاهرة التي تدل على حسن الخاتمة، منها:

1. النطق بالشهادتين عند الموت: وهي أعظم علامة، كما جاء في الحديث: “من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة” (رواه أبو داود).

2. الموت برائحة طيبة: كثير من الصالحين تظهر منهم رائحة زكية بعد وفاتهم، دلالة على رضى الله عنهم.

3. الوفاة يوم الجمعة أو ليلتها: كما قال ﷺ: “ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر” (رواه أحمد).

4. الاستشهاد في سبيل الله: أو الموت في سبيل الدفاع عن الدين أو النفس أو المال أو العرض.

5. الموت في عبادة: كأن يموت وهو ساجد أو صائم أو في الحج، أو في صلاة، وكل ذلك دلالة على القرب من الله.

6. الوفاة على عمل صالح: كأن يُقبض وهو في طاعة أو أمر من أمور الخير والبر.

وسائل نيل حسن الخاتمة

حسن الخاتمة لا ينالها العبد إلا بالسعي الحثيث والصدق في طلبها، ومن أهم الوسائل:

• الصدق مع الله: فإن الصدق مفتاح كل خير، وهو من صفات أهل الجنة.

• الاستقامة على الدين: كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾.

• كثرة ذكر الموت: قال النبي ﷺ: “أكثروا من ذكر هادم اللذات” (رواه الترمذي).

• التوبة الدائمة: إذ لا يدري الإنسان متى تحين ساعته، فلابد من محاسبة النفس والرجوع إلى الله دائمًا.

• الدعاء بحسن الخاتمة: فقد كان النبي ﷺ يدعو: “اللهم اختم لنا بخير، واجعل عواقب أمورنا إلى خير”.

• الحرص على صلاة الجماعة وقيام الليل: فهي مظاهر الإيمان الحي، وتعين على الثبات.

• الابتعاد عن الكبائر والمعاصي: لأن الإصرار عليها قد يؤدي إلى سوء الخاتمة.

سوء الخاتمة: معناها وأسبابها

سوء الخاتمة هي أن يُقبض العبد على حال لا تُرضي الله عز وجل، من كفر، أو فسق، أو فجور، أو نفاق، أو إعراض عن طاعة الله، أو تقاعس عن أداء الفرائض. وهي من أشد ما يُخاف على العبد، إذ أنها الدليل على سوء المصير، وقد تكون علامة على غضب الله عز وجل.

وليس بالضرورة أن تظهر على الميت علامات خارجية تدل على سوء خاتمته، فقد يُبتلى بها في قلبه وروحه، فيُختم له بما كان مستقرًا في قلبه من النفاق أو الجحود أو الإصرار على المعصية.

أسباب سوء الخاتمة

ذكر العلماء أن من أبرز أسباب سوء الخاتمة ما يلي:

1. الرياء والنفاق: فإن من يُظهر خلاف ما يبطن، ويجعل الدين وسيلة لتحقيق مآرب دنيوية، قد يختم له بالسوء.

2. الإصرار على الكبائر: كمن لا يكترث بالزنا أو شرب الخمر أو أكل الربا، ويجاهر بها دون ندم.

3. ترك الصلاة: وهي عماد الدين، وتركها علامة واضحة على التهاون في حق الله.

4. الاستهزاء بالدين وأهله: قال الله تعالى: ﴿قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ﴾.

5. الانشغال بالدنيا ونسيان الآخرة: كما قال تعالى: ﴿ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ﴾.

6. مرافقة أهل الفساد: فالرفقة السيئة تجر إلى المعاصي وقد تكون سببًا في سوء الخاتمة.

قصص واقعية من التاريخ الإسلامي

عُرف عن بعض السلف الصالح أنهم كانوا يخافون من سوء الخاتمة رغم اجتهادهم في الطاعة، يقول سفيان الثوري: “بكيت أربعين سنة خوفًا من سوء الخاتمة”، وكان الإمام أحمد بن حنبل يردد كثيرًا: “اللهم سلم، اللهم سلم”، وكان يُبكيه قوله تعالى: ﴿وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ﴾.

ونُقل عن بعض أهل المعاصي أنهم كانوا يُحتضرون، فيُطلب منهم قول: “لا إله إلا الله”، فيرفضون، ويقول أحدهم: “أشرب واسقني كأسًا”، وآخر يغني، وثالث يلعن. وهذا كله من نتائج طول الإعراض عن طاعة الله.

الفرق بين حسن وسوء الخاتمة: مقارنة مفصلّة

أهمية تربية النفس على الإخلاص والمجاهدة

السبيل إلى حسن الخاتمة يبدأ من عمق النفس، بتطهيرها من شوائب الرياء والنفاق، وتربيتها على مراقبة الله في السر والعلن. وقد بيّن الله في كتابه أن العبرة ليست بكثرة الأعمال بل بصدق النية والخوف من الله: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ﴾.

فالخوف من سوء الخاتمة لا يعني اليأس، بل يحفّز على العمل، ويردع النفس عن التهاون، ويشحن القلب بالخشية والرجاء.

أثر الإيمان بالخاتمة على سلوك المسلم

الاعتقاد الراسخ بأن النهاية بيد الله، وأن العبرة بالخواتيم، يدفع المسلم إلى:

• المداومة على الطاعات

• البعد عن مواطن الشبهات

• طلب العفو والمغفرة الدائمة

• مراقبة الله في السر والعلن

• حسن الظن بالله دون غرور

• الدعاء بالثبات

الختام الحقيقي: وقوف بين يدي الله

ليست الخاتمة مجرد لحظة موت، بل هي بوابة إلى وقوف طويل أمام الحق تبارك وتعالى. وما بين حسن الخاتمة وسوئها تتحدد معالم المآل الأبدي، فيا من يرجو الله، لا تغتر بما مضى، وابدأ من جديد، فإن الله يقبل من عاد، ويحب من تاب، ويفتح أبوابه لمن ندم وندب.

المراجع:

1. ابن القيم، “الداء والدواء”

2. النووي، “رياض الصالحين”